إصلاح التقويم لتحسين نوعية التعلم


مقدمة
يؤدي التقويم دوراً مهماً في العملية التعليمية وهو جزء لا يتجزأ منها. فسياسات التقويم وأساليبه تبني العملية التعليمية أو تهدمها تبعاً لمستوى جودتها وارتباطها برؤية وأهداف واضحة للتعليم والتعلم. فالتقويم المبني على رؤية صحيحة يؤدي إلى بناء أدوات تقويم علمية ذات موثوقية يمكن من خلالها جمع الشواهد التي تقود إلى أحكام صحيحة عن تحصيل الطالب وبالتالي إلى تحسين التعلم.
ومع هذه الأهمية للتقويم، إلا أنه يلاحظ في كثير من الأنظمة التعليمية أنه ليس جزءاً من عملية التعليم والتعلم بل هو منفصل عنها، حيث إنه يأتي في الغالب بعد عملية التدريس ولا يؤثر فيها، ناهيك عن أنه يختزل في الاختبارات كوسيلة رئيسة أو وحيدة لتقويم التحصيل، إضافة إلى أن الطالب لا يعلم عن نتيجته وأدائه إلا بعد انتهاء التدريس، ولا يكون بمقدوره إعادة تعلم الكفاية التي دلت نتائج التقويم على عدم إتقانها. وتزامن هذا القصور المفاهيمي للتقويم، مع ضعف في مهارات معظم المعلمين في بناء الاختبارات وتركيزها على مستويات التذكر والفهم وإغفال الجوانب الأدائية ومهارات التفكير. وأدى هذا إلى النزعة القوية لدى المعلمين للتدريس من أجل الاختبار، وقلة الاهتمام ببعض الكفايات التي يفترض تعلمها، وأصبح الدافع لدى الطلاب ينصب على الحصول على درجات عالية، وعزز ذلك الروح التنافسية عند الطلاب والسلوكيات الخاطئة التي قد تنتج عن ذلك، والتضخم المتزايد للدرجات من عام لآخر.
ومن جهة أخرى فإن التعليم يعاني في الكثير من الدول من عدم وجود سياسات وآليات مؤسسية لتقويم نواتجه بشكل عام، وخاصة في نهاية مراحل التعليم العام. فتقويم مخرجات التعليم، إن وجد، يتم عن طريق بيانات غير دقيقة، تقدمها نتائج اختبارات مدرسية (تجرى على مستوى المدرسة)، أو اختبارات مركزية (تجرى على مستوى الدولة) لا تتوافر في معظمها معايير الاختبارات الجيدة. ومثل هذه البيانات لا يمكن الاعتماد عليها لتقويم مخرجات التعليم والتعرف على النزعات (Trends) والتغير في التحصيل من سنة لأخرى. ولا يمكن كذلك استخدامها كأداة للمساءلة أو المحاسبية (Accountability) سواء لأجهزة التعليم التنفيذية أو للمدرسة أو للمعلم. كما أن نتائج هذه الاختبارات لا يمكن الاستفادة منها في التعرف على الفروق بين مختلف فئات الطلاب لبناء سياسات، ووضع إجراءات لتقليص الفجوة في التحصيل بين هذه الفئات، كما أنها لا تساعد على تحديد الفروق في التحصيل من منطقة إلى أخرى داخل البلد الواحد.
إن إصلاح التعليم وتحسين مستويات تعلم الطلاب لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية إصلاح شاملة للتقويم تتناول فلسفته وأغراضه وأساليبه وتقنياته ومدى تكامله مع عناصر العملية التعليمية الأخرى. وتقدم هذه الورقة رؤية تكاملية للتقويم في مرحلة ما بعد التعليم الأساسي، وتفرق بين مفهومين برزا حديثا ًفي هذا المجال هما التقويم للتعلم Assessment for Learning)) وتقويم التعلم (Assessment of Learning) وأغراض كل منهما وأساليبه وأدواته. كما تتناول تطوير ممارسات التقويم الصفي من خلال توظيف التقويم الحقيقي (Authentic Assessment)، والشروط الواجب توفرها في التقويم الوطني حتى يتكامل مع التقويم الصفي للوصول إلى نموذج يمكن أن يسهم في تحسين التعليم والرفع من جودة مخرجاته.

نشره: دمحمدمحمدعبدالهادي

لا تعليقات على : "إصلاح التقويم لتحسين نوعية التعلم"

إرسال تعليق